بين الكربون والسيليكون: عندما يحاكي الخيال العلمي مستقبل البشرية

مقالات _ وليد الشمري

في فيلم The Matrix الشهير، يصل البطل نيو، الذي يؤدي دوره الممثل كيانو ريفز، إلى لحظة مصيرية حين يعرض عليه مورفيس خيارا بين حبتين: الحبة الزرقاء، التي تبقيه في وهم الحياة اليومية، والحبة الحمراء، التي تكشف له الحقيقة الصادمة.

يختار نيو الحبة الحمراء، ليكتشف أن العالم الذي يعرفه ليس إلا واقعا افتراضيا من صنع الآلات، وأن البشر مجرد بطاريات تستغل كمصدر للطاقة -نفط- .

ما يجعل هذا الفيلم أكثر من مجرد خيال علمي هو تطرقه إلى مفاهيم علمية وفلسفية عميقة، من بينها العلاقة بين الطاقة، والمادة، والوعي. ففي عالم The Matrix، تستغل الأجسام البشرية – بوصفها كائنات عضوية – لاستخراج الطاقة الحيوية، تماما كما نستخرج نحن الوقود من المركبات العضوية التي تحتوي على الكربون.

الكربون: حجر الأساس للحياة

يعد الكربون العنصر الأساسي في تكوين المركبات العضوية، بفضل قدرته الفريدة على تكوين سلاسل وروابط معقدة مع عناصر أخرى. وعند تحطيم هذه الروابط الكيميائية، تحرر طاقة هائلة تستخدم في العمليات الحيوية أو كمصدر للطاقة في الصناعات.

من هنا، تصبح استعارة الإنسان كمصدر طاقة في الفيلم أكثر واقعية مما يبدو، فهي تجسيد رمزي لفكرة أن الحياة العضوية ذاتها تستهلك، بطريقة أو بأخرى، في سبيل استمرار النظام.

السيليكون: أساس الآلة وصناعة الذكاء

العنصر الذي يشبه الكربون كيميائيا هو السيليكون، الموجود في نفس المجموعة في الجدول الدوري. له القدرة على تكوين روابط مشابهة، لكنه لم يستخدم كأساس للحياة. بدلا من ذلك، أصبح السيليكون حجر الزاوية في تكنولوجيا العصر الحديث: أشباه الموصلات، الرقائق الإلكترونية، والأنظمة الذكية.

السيليكون إذا ليس فقط عنصرا، بل هو “نواة” الآلات، والذكاء الاصطناعي، وكل ما نبنيه من أدوات للتحكم بالحياة وتسريعها.

تساؤلات المستقبل: هل يتحكم السيليكون بالكربون؟

هذه المقارنة الرمزية بين الكربون والسيليكون تثير تساؤلات جوهرية، خاصة في عصر يزداد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية:

هل يشهد العالم بداية تحول في ميزان السيطرة، من الكائنات العضوية إلى الآلات الذكية؟

هل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي، الذي يستمد قوته من السيليكون، هو المتحكم في مصير الإنسان العضوي؟

إلى أي مدى نحن، كأفراد ومجتمعات، على وعي بأننا نسلم قراراتنا، وأنماط حياتنا، وحتى وعينا، لخوارزميات مصنوعة؟

هل نعيش اليوم نسخة مبكرة من “ماتريكس ناعم”، لا تحبس أجسادنا، بل تتحكم بعقولنا من خلال الشاشات والخدمات الذكية؟

بين الواقع والافتراض… من يملك السيطرة؟

يظل The Matrix عملا فنيا، لكنه في الوقت نفسه مرآة نطل منها على مستقبل محتمل. المستقبل الذي فيه تختلط الحدود بين الكربون والسيليكون، بين الحياة العضوية والاصطناعية، وبين من يستهلك ومن يُستهلك.
والسؤال الأخطر يبقى: هل نحن من يصنع التكنولوجيا… أم أننا نصنع بيئة ملائمة لسيطرتها علينا؟

وليد الشمري _ كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى